Friday, December 29, 2006

العفو و السماح



اتصل صديق بي قبل يومين ، يبلغني أن إجراءاته اللازمة للحج تمت ، و انه الآن على أتم الاستعداد للسفر مع حملة معينه وقع الاختيار عليها من قبل والده ، حدثني و هو في قمة سعادته و رهبته من الأمر بنفس الوقت ، كانت هذه المشاعر واضحة من خلال صوته ، لأنها المرة الأولى له.
لطالما أراد الحج قبل اتخاذ قرار الزواج ، لكنني لا أتوقع انه سيقرر الزواج قريبا .
و أثناء الكلام طلب مني أن "أحلله" أي أقولها بصريح العبارة أنني لا أحمل أي مشاعر سلبيه من الضغينة أو الغضب أو الحزن تجاهه في حال إذا ضايقني في يوم ما . فسألني عن أي موقف قد جرى بالسابق أجبته بأنه لطالما كان صديقا وفيا و مخلصا .
انتهت المحادثة الهاتفية بيننا متمنيا له بحج مبروك و سعي مشكور و ذنب مغفور و طلبت منه الدعاء لأجلي.
أخذتني الأفكار بعيدا بعد المكالمة، لقد جعلتني كلمة "حللني" أفكر مليا ببعض المواقف التي مررت بها خلال السنوات السابقة.
و تذكرت موقفا معينا، أغضبني بشده، و انه يغضبني إلى الآن متى ما تذكرته، و سألت نفسي إذا أتى الشخص المعني بذاك الموقف و طلب مني أن "أحلله"، فهل سأفعل ذالك أم أنني سأرفض ؟؟
أعلم بهذه اللحظة أنكم تتساءلون لما قد أحمل كل هذه المشاعر السلبية بعد تلك الفترة كلها، و لما لا أسامح الشخص المعني ؟ نعم ...نعم ....أعلم كل تلك المحاضرات المطولة عن السماح و العفو و نسيان الماضي للمقدرة على المسير بالحياة إلى الأمام ، لكنني كالآخرين ، إنسان و لست بملاك أو شيطان. و قد يتساءل البعض عن كيفيتي بالحياة و أنا أحمل مشاعر الغضب كلها تجاه ذاك الشخص، لا أعلم كيف!!! لكنني للأسف لا أستطيع السماح أو النسيان بسهولة.
على العموم. لا أنكر حقيقة العفو و السماح قد مرت ببالي، لكنني أدركت شيء ما، أن لكل منا قلب و عقل.
فقلبنا المسئول عن العواطف سواء كانت إيجابية أو سلبية، و عقلنا المسئول عن الأفكار و اتخاذ القرارات سواء الصائبة منها أو الخاطئة.
فقلبي ممتلئ بكل مشاعر الغضب و الكره لذالك الشخص و عقلي يحاول إقناعي بالسماح و النسيان للمضي بالحياة.
للأسف علي الاعتراف، برغم أنني حاولت كثيرا العكس، إلا أنني لا أستطيع السماح أو العفو عن من يخطئ بحقي بشدة، طبعا إنني أتحدث عن المواقف المهينة بشدة بنظري.
إن هذا النزاع ما بين القلب و العقل مثير للجدل، لطالما كانت هناك الكثير من المواقف التي أثارت الفضول في نفسي، فهل أقولها بصريح العبارة أمام الشخص المعني إذا تطلب الموقف؟ أم يجب علي السماح؟ و إذا حاولت السماح فهل سأقدر على النسيان؟ أم أنني سأتمنى له حدوث الأمر نفسه كما حدث معي؟ أم يجب علي تجنب المرور بهذا السؤال بشكل عام؟
يؤسفني القول، و إنها لوجهة نظري، بأننا نعيش في مجتمع اختلط عليه تعريف المجاملات مع تعريف النفاق. و إذا كانت الصراحة مطلوبة، فأين هو الخط الواضح الذي نستطيع منه التفريق بين الصراحة و الوقاحة؟
و إذا استطعنا تحديد الفرق بين الصراحة و الوقاحة، فهل سيكون هذا التحديد عاما على الجميع أم أن مقاييسنا و شخصياتنا ستحدث أيضا فرقا بيننا لقبول أو رفض الحدود الفاصلة بين الصراحة و الوقاحة؟
فما أعتبره صريحا قد يعتبره شخص آخر نوع من الوقاحة. و العكس جائز أيضا.
هل نعبر عن مشاعرنا السلبية تجاه الآخرين؟ أم هل ننضم إلى نادي "مبتسم أمامك و حاقد خلفك"؟
أم هل نصطنع المثالية التي قد تكون نوعا من المثالية الإلهية و نعفو عن كل شي نمر به؟
و إذا قال أحدا أنه سامح مسامحة كاملة، فلما لا يرجع الحال كما كان بالسابق مع الطرف الآخر؟
أم أن القلب مازال متألما للحال لكن تحت شعار "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"؟؟؟

2 comments:

Anonymous said...

حسنا لا احد يطلب منك العفو أو السماح أو الكره و الغضب نعم أنت انسان تصيب وتخطىء صحيح
لكن هل هى نهاية العالم؟
نعم جميعنا غضبنا ونغضب و كرهنا و نكره .... و أيضا سامحناو نسامح.
لست هنا للجدل معك على ما أسميته المثاليه الالهيه أو أيضا ما يسمى بالواقيه البشريه. بل هل تستطيع أن تحول هذه الطاقة السلبية الموجودة فيك الى عمل ايجابى؟
أو أن تعيش بغضبك و كرهك الى أن يأكلك عندها لا ينفع الندم.
و لأنك انسان عليك أن تعيش حياتك لا أن تغوص فى وحل أوهامك.
سأختم بهذه العبارة لرسام فرنسى... وأرجو أن تتأمل بعمقها جيدا قال:
اذا رأيت لوحة ما لا تقل عنها أنها جميلة أو قبيحة بل قل أعجبتنى أو لم تعجبنى .

Soul2Soul said...

شكرا للتعليق ، و لكن من الملاحظ أن جزء من مقالتي لم يكن واضحا كما توقعت، لم أسأل إذا كانت هي نهاية العالم أو لا، على العكس ، أعلم تماما أن كل واحد منا يستطيع السير بحياته إلى الأمام دون تؤثر ، لكن السؤال هل نسامح أم لا ؟ و إذا لم أستطع السماح هذا لا يعني أن الكره سيأكلني !!!
الغضب و عدم النسيان ليست أوهام انما مشاعر لها وجود ، فكان من الأفضل استخدام كلمة معبره بدلا من الأوهام!
أعجبتني المقولة الفرنسية، و مفادها أن يحسن الانسان اسلوبه من غير التقليل من شأن الآخرين ، لكنني مع الأسف لا أرى حلقة الوصل بين الموضوع و المقولة الفرنسية !!!